فصل: قال أبو السعود في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

{فَإِذَا جَاءتِ الطامة الكبرى}
و{الطامة الكبرى} هي القيامة، قاله ابن عباس والضحاك، وقال الحسن وابن عباس أيضاً: النفخة الثانية، وقوله: {ما سعى} معناه: ما عمل من سائر عمله، ويتذكر ذلك بما يرى جزائه، وقرأ جمهور الناس: {وبرزت} بضم الباء وشد الراء المكسورة، وقرأ عكرمة ومالك بن دينار وعائشة: {وبرزت} بفتح الباء والراء، وقرأ جمهور الناس {لمن يرى} بالياء أي لمن يبصر ويحصل، وقرأ عكرمة ومالك بن دينار وعائشة: {لمن ترى} بالتاء أي تراه أنت، فالإشارة إلى كفار مكة أو أشارة إلى الناس، والمقصد كفار مكة، ويحتمل أن يكون المعنى: لمن تراه الجحيم كما قال تعالى: {إذا رأتهم من مكان بعيد} [الفرقان: 12] وقرأ ابن مسعود: {لمن رأى} على فعل ماض.
{فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37)}
{طغى} معناه: تجاوز الحدود التي ينبغي للإنسان أن يقف عندها بأن كفر وآثر الحياة الدنيا علي الآخرة لتكذيبه بالآخرة و{المأوى} والمسكن حيث يأوي المرء ويلازم، و{مقام ربه} هو القيامة، وإنما المراد مقامه بين يدي ربه، فأضاف المقام إلى الله عز وجل من حيث بين يديه وفي ذلك تفخيم للمقام وتعظيم لهوله وموقعه من النفوس، قال ابن عباس: المعنى خافه عند المعصية فانتهى عنها، و{الهوى} هو شهوات النفس وما جرى مجراها، وأكثر استعماله إنما هو في غير المحمود، قال سهل التستري: لا يسلم من الهوى إلا الأنبياء وبعض الصديقين، وقال بعض الحكماء: إذا أردت الصواب فانظر هواك فخالفه، وقال الفضيل: أفضل الأعمال خلاف الهوى، وقوله تعالى: {يسألونك عن الساعة} الآية نزلت بسبب أن قريشاً كانت تلح في البعث عن وقت الساعة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرهم بها ويتوعدهم بها ويكثر من ذلك، و: {أيان مرساها} معناه: متى ثبوتها ووقت رسوها أي ثبوتها كأنه يسر إلى غاية ما ثم يقف كما تفعل السفينة التي ترسو، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي: {إيان} بكسر الألف، ثم قال لنبيه عليه السلام على جهة التوقيف {فيم أنت من ذكراها} أي من ذكر تحديدها ووقتها أي لست من ذلك في شيء {إنما أنت منذر}، وقالت عائشة رضي الله عنها: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن الساعة كثيراُ، فلما نزلت هذه الآية انتهى». وقرأ أبو جعفر وعمر بن عبد العزيز وأبو عمرو بخلاف، وابن محيصن والأعرج وطلحة وعيسى: {منذرٌ} بتنوين الراء، وقرأ جمهور القراء: {منذرُ} بإضافة {منذر} إلى {من}، ثم قرب تعالى أمر الساعة بإخباره أن الانسان عن رؤيته إياها لم يلبث إلا عشية يوم أو بكرته، فأضاف الضحى إلى العشية من حيث هما طرفان للنهار، وقد بدأ بذكر أحدهما فأضاف الآخر إليه تجوزاً وإيجازاً.
نجز تفسير سورة {النازعات} والحمد لله كثيراً. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

وقوله تعالى: {فَإِذَا جَاءتِ الطامة الكبرى} أي الداهيةُ العُظمى التي تطمُّ على سائرِ الطاماتِ أي تعلُوها وتغلبُها وهي القيامةُ أو النفخةُ الثانيةُ وقيلَ: هي الساعةُ التي يُساقُ فيها الخَلائقُ إلى محشرِهم وقيلَ: التي يُساقُ فيها أهلُ الجنةِ إلى الجنةِ وأهلُ النارِ إلى النارِ شروعٌ في بيانِ أحوالِ معادِهم إثرَ بيانِ أحوالِ معاشِهم بقوله تعالى: {متاعا لَّكُمْ} الخ، والفاءُ للدلالة على ترتب ما بعدَها على ما قبلَها عما قليلٍ كما ينبئُ عنه لفظُ المتاعِ {يوم يَتَذَكَّرُ الإنسان مَا سعى} قيلَ: هو بدل من إذَا جاءتْ والأظهرُ أنه منصوبٌ بأَعْنِي كما قيلَ تفسيراً لـ: {الطامةِ الكُبرى} فإن الإبدالَ منها بالظرف المحضِ مما يُوهن تعلقَها بالجوابِ ويجوزُ أن يكونَ بدلاً من {الطامةِ الكُبرى} مفتوحاً لإضافتِه إلى الفعلِ على رأي الكوفيينَ أي يتذكرُ فيه كلُّ أحدٍ ما عملَهُ من خيرٍ أو شرَ بأنْ يشاهدَهُ مدوناً في صحيفةِ أعمالِه وقد كانَ نسيَهُ من فرطِ الغفلةِ وطولِ الأمدِ كقوله تعالى: {أحصاه الله وَنَسُوهُ} ويجوزُ أنْ تكونَ ما مصدريةً.
{وَبرزت الجحيم} عطف على {جاءتْ} أي أظهرتْ إظهاراً بيناً لا يخفى على أحدٍ {لِمَن يرى} كائنا من كانَ.
يُروى أنه يكشفُ عنها فتتلظَّى فيراهَا كلُّ ذي بصرٍ وقرئ {وبرزت} بالتخفيفِ و{لمن رَأَى} و{لمن تَرَى} على أن فيهِ ضمير الجحيمِ كما في قوله تعالى: {إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} وعلى أنه خطابٌ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم أي لمَنْ تراهُ من الكفارِ وقوله تعالى: {فَأَمَّا مَن طغى} الخ، جوابُ فإذَا جاءتْ على طريقةِ قوله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى} الآيةَ، وقيلَ: هُو تفصيلٌ للجوابِ المحذوفِ تقديرُه انقسمِ الراؤونَ قسمينِ فأمَّا من الخ، والذي تستدعيهِ فخامةُ التنزيلِ ويقتضيه مقامُ التهويلِ أنَّ الجوابَ المحذوفَ كانَ من عظائمِ الشؤونِ ما لَم تُشاهِدْهُ العيونُ كما مرَّ في قوله تعالى: {يوم يَجْمَعُ الله الرسل} أي فأما من عَتا وتمردَ عن الطاعةِ وجاوزَ الحدَّ في العصيانِ {وَءَاثَرَ الحياة الدنيا} الفانيةَ التي هي على جناحِ الفواتِ فانهمكَ فيما متعَ به فيهَا ولم يستعدَّ للحياةِ الأخرويةِ الأبديةِ بالإيمانِ والطاعةِ {فَإِنَّ الجحيم} التي ذُكِرَ شأنُها {هِىَ المأوى} أي هيَ مأواهُ واللامُ سادَّةٌ مسدَّ الإضافةِ للعلمِ بأن صاحبَ المَأْوى هو الطاغِي كما في قولكَ: غُضَّ الطَّرْفَ، ودخولُ اللامِ في {المَأوى} والطرفِ للتعريفِ لأنهما معروفانِ وهيَ إما ضمير فصلٍ أو مبتدأٌ. قيلَ: نزلتْ الآيةُ في النضرِ وأبيهِ الحارثِ المشهورينِ بالغُلوِّ في الكُفرِ والطغيانِ {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ} أيْ مقامَهُ بين يَدَيْ مالكِ أمرِه يوم الطامةِ الكُبرَى يوم يتذكرُ الإنسانُ ما سعَى {وَنَهَى النفس عَنِ الهوى} عن الميلِ إليهِ بحكمِ الجبلةِ البشريةِ ولم يعتدَّ بمتاعِ الحياةِ الدُّنيا وزهرتِها ولم يغترَّ بزخارفِها وزينتِها علماً منه بوخامة عاقبتِها.
{فَإِنَّ الجنة هي المأوى} لهُ لا غيرُهَا وقيلَ: نزلتْ الآيتانِ في أبِي عزيزِ بنِ عميرٍ ومصعب بنِ عميرٍ وقد قتلَ مصعبٌ أخاهُ أبا عزيزٍ يوم أحدٍ ووقَى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حتى استُشهدَ رضيَ الله عنْهُ هذا وقد قيلَ: جوابُ إذَا مَا يدلُّ عليهِ قوله تعالى: {يوم يَتَذَكَّرُ} الخ، أيْ فإذَا جاءتِ الطامةُ الكُبْرى يتذكرُ الإنسانُ ما سَعَى على طريقةِ قوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ} وقوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} فيكونُ قوله تعالى: {وَبرزت الجحيم} عطفاً عليهِ، وصيغةُ الماضِي للدلالةِ على التحققِ، أو حالاً من الإنسانِ بإضمارِ قدْ، أو بدونِه على اختلافِ الرأيينِ، و{لمنْ يَرَى} مغنٍ عن العائدِ. وقوله تعالى: {فَأَمَّا مَن طغى} الخ، تفصيلاً لحالَيْ الإنسانِ الذي يتذكرُ ما سَعَى وتقسيماً لهُ بحسبِ أعمالِه إلى القسمينِ المذكورينِ.
{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الساعة أَيَّانَ مرساها} مَتَى إرساؤُها أي إقامتُها يريدونَ متى يقيمُها الله تعالى ويُثبتُها ويُكَوِّنُها وقيل: أيانَ مُنتهاهَا ومُستقرهَا كما أنَّ مَرسى السفينةِ حيثُ تنتهي إليهِ وتستقرُّ فيهِ. وقوله تعالى: {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} إنكارٌ وردٌّ لسؤالِ المشركينَ عنْهَا أيْ في أيِّ شيءٍ أنتَ مِنْ أنْ تذكرَ لهُم وقتَها وتعلمهم بهِ حَتَّى يسألُونكَ بيانَها، كقوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ كَأنَّكَ حَفِىٌ عَنْهَا} أي ما أنتَ من ذِكْراهَا لهُم وتبيينِ وقتِها في شيءٍ لأنَّ ذلكَ فرعُ علمكَ به وأنَّى لكَ ذلكَ وهو مما استأثرَ بعلمه علامُ الغيوبِ ومن قال بصدد التعليل فإنَّ ذكرَها لا يزيدُهم إلا غياً فقد نَأَى عن الحقِّ وقيلَ: {فيمَ} إنكارٌ لسؤالهم وما بعدَهُ من الاستئنافِ تعليلٌ للإنكار وبيانٌ لبطلان السؤالِ أيْ فيمَ هذا السؤالُ ثمَّ ابتُدِئَ فقيلَ: {أنتَ من ذِكرَاها}، أي إرسالُك وأنتَ خاتمُ الأنبياءِ المبعوثُ في نسيم الساعةِ علامةٌ من علاماتِها، ودليلٌ يدُلُّهم على العلمِ بوقُوعِها عن قريبٍ فحسبُهم هذه المرتبةُ من العلمِ فمَعْنى قوله تعالى: {إلى رَبّكَ منتهاها} على هذا الوجهِ إليهِ تعالى يرجعُ مُنْتهى علمِها أيْ علمُها بكُنهِها وتفاصيلُ أمرِها وقتَ وقوعِها لا إلى أحدٍ غيرِه وإنما وظيفتُهم أنْ يعلموا باقترابِها ومُشارفتِها، وقدْ حصلَ لهم ذلكَ بمبعثكَ، فما مَعْنى سؤالِهم عنها بعدَ ذلك. وأمَّا على الوجهِ الأولِ فمعناهُ إليهِ تعالى انتهاءُ علمِها ليسَ لأحدٍ منه شيءٌ ما كائنا من كانَ فلأيِّ شيءٍ يسألونَكَ عنها.
وقوله تعالى: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يخشاها} على الوجه الأولِ تقريرٌ لما قبلَهُ من قوله تعالى: {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} وتحقيقٌ لما هُو المرادُ منه وبيانٌ لوظيفتِه عليه الصلاةُ والسلامُ في ذلكَ الشأنِ فإنَّ إنكارَ كونهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ في شيءٍ من ذِكراهَا مما يُوهمُ بظاهرِه أنْ ليسَ له عليهِ الصلاةُ والسلامُ أنْ يذكرَها بوجهٍ من الوجوهِ فأُزيحَ ذلكَ ببيانِ أنَّ المنفَى عنه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ذكرُهَا لهم بتعيينِ وقتِها حسبَما كانُوا يسألونَهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عنهَا فالمَعْنى إنما أنتَ منذرُ من يخشاهَا، وظيفتُكَ الامتثالُ بما أُمرتَ من بيانِ اقترابِها وتفصيلِ ما فيها من فنونِ الأهوالِ كما تحيطُ به خبراً، لا تعيينِ وقتِها الذي لم يُفوضْ إليكَ فما لهم يسألونَكَ عمَّا ليسَ من وظائِفكَ بيانُه. وعلى الوجهِ الثانِي هو تقريرٌ لقوله تعالى: {أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} ببيانِ أنَّ إرسالَهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وهو خاتمُ الأنبياءِ عليهم السلامُ منذرٌ بمجيءِ الساعةِ كما ينطقُ به قوله عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «بعثتُ أنَا والساعةَ كهاتينِ إنْ كادتْ لتسبقُني» وقرئ {منذرٌ} بالتنوينِ وهو الأصلُ والإضافةُ تخفيفٌ صالحٌ للحالِ والاستقبالِ، فإذا أُريدَ الماضِي تعينتِ الإضافةُ. وتخصيصُ الإنذارِ بمن يخشَى مع عمومِ الدعوةِ لأنَّه المنتفعُ بهِ.
وقوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ يوم يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضحاها} إما تقريرٌ وتأكيدٌ لما ينبئُ عنه الإنذارُ من سرعة مجيءِ المُنذَر بهِ، لاسيما على الوجهِ الثَّانِي، أيْ كأنَّهم يوم يَرَونها لم يلبثُوا بعدَ الإنذارِ بها إلا عشيةَ يوم واحدٍ أو ضحاهُ فلما تُركَ اليوم أضيفَ ضُحاه إلى عشيتِه، وإمَّا ردٌّ لمَا أدمجُوه في سؤالِهم فإنَّهم كانُوا يسألونَ عنها بطريق الاستبطاءِ مستعجلينَ بها وإنْ كانَ على نهجِ الاستهزاءِ بهَا {وَيَقولونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صادقين} فالمَعْنى كأنَّهم يوم يَرَونها لم يلبثُوا بعدَ الإنذارِ أو بعدَ الوعيدِ بها إلا عشيةً أو ضُحاها. واعتبارُ كونِ اللبثِ في الدنيا أو القُبورِ لا يقتضيه المقامُ وإنَّما الذي يقتضيهِ اعتبارُ كونِه بعدَ الإنذارَ أو بعدَ الوعيدِ تحقيقاً للإنذارِ وردًّا لاستبطائِهم. والجملة على الأولِ حالٌ من الموصولِ فإنَّه على تقديرَيْ الإضافةِ وعدمِها مفعولٌ لمنذرُ كما أنَّ قوله تعالى: {كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مّنَ النهار} حالٌ من ضمير المفعولِ في {يحشرُهم} أي يحشرُهم مشبهينَ بمن لم يلبثْ في الدُّنيا إلا ساعةً خلا أن الشبهَ هناكَ في الأحوالِ الظاهرةِ من الزيِّ والهيئةِ وفيمَا نحنُ فيه في الاعتقاد كأنَّه قيلَ: تنذرُهم مشبهينَ يوم يَرَونها في الاعتقادِ بمن لم يلبثْ بعد الإنذارِ بها إلا تلك المدةَ اليسيرةَ، وعلى الثانِي مستأنفةٌ لا محلَّ لها من الإعرابِ. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {والنازعات غرقاً}
قال مقاتل يعني: ملك الموت ينزع روح الكافر من صدره، كما ينزع السفود الكثير الشعب من الصوف.
فيخرج نفسه من حلقه منها العروق، كالغريق في الماء {والناشطات نَشْطاً} ملك الموت، ينشط روح الكافر من قدمه إلى حلقه.
وقال الكلبي: {والنازعات} يعني: ملك الموت وأعوانه {غرقاً} كرهاً.
يقال: غرقت نفسه في صدره وذلك، أنه ليس من كافر يحضره الموت، إلا عرضت عليه جهنم، فيراها قبل أن يخرج نفسه، فيرى فيها أقواماً، مرة ينغمسون، ومرة يرتفعون.
فعند ذلك، تغرق روحه في جسده.
{والناشطات نَشْطاً} يعني: الملائكة الذين يقبضون أرواح المؤمنين بالتيسير، وذلك أنه ما من مؤمن يحضره الموت، إلا ويرى منزلته في الجنة.
ويرى فيها أقواماً من أهل معرفته، وهم يدعون إلى أنفسهم، فعند ذلك ينشط إلى الخروج.
ويقال: {النازعات} الملائكة تنزع النفس أغراقاً، كما يغرق النازع في القوس {غرقاً والناشطات} الملائكة تقبض نفس المؤمن، كما ينشط العقال.
وقال عطاء: {والنازعات غرقاً} يعني: ألقى {والناشطات نَشْطاً} يعني: الأوهاق.
ثم قال: {والسابحات سَبْحاً} يعني: الملائكة الذين يقبضون أرواح الصالحين، يسلونها سلاً رقيقاً، ويتركونها حتى تستريح رويداً.
ويقال: {والسابحات سَبْحاً} يعني: السفن تجري في الماء.
ويقال: {والسابحات سَبْحاً} يعني: الملائكة جعل نزولها في السماء كالسباحة.
ويقال: {والسابحات سَبْحاً} يعني: النجوم الدوارة.
كما قال: و{وَهُوَ الذي خَلَقَ الليل والنهار والشمس والقمر كُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: 33] ثم قال: {فالسابقات سَبْقاً} يعني: الملائكة الذين يسبقون إلى الخير والدعاء.
ويقال: {فالسابقات سَبْقاً} بالخير يعني: أرواح المؤمنين يعرج بها إلى السماء، سراعاً يفتح لها أبواب السماء.
ويقال: {فالسابقات سَبْقاً} يعني: خيول الغزاة.
{فالمدبرات أَمْراً} يعني: الملائكة الذين جعل إليهم تدبير الخلق، وهم جبريل وميكائيل، وإسرافيل، وعزرائيل، عليهم السلام.
أما جبريل فعلى الوحي، وإنزال الرحمة، والعذاب على الخلائق بأمر الله وأما ميكائيل فعلى الأمطار والنبات، يقسم على البلاد والعباد بإذن الله.
وأما عزرائيل، وهو ملك الموت، فعلى قبض الأرواح عند انقضاء أجلهم بإذن الله تعالى.
وإما إسرافيل، فعلى النفح في الصور متى أمره الله تعالى، فهذا كله قسم، وجواب القسم مضمر، فكأنه أقسم بهذه الأشياء، أنهم يبعثون يوم القيامة، لأن في الكلام دليلاً عليه، وهو قوله: {يوم ترجف الراجفة} يعني: لتبعثن يوم القيامة في {يوم ترجف الراجفة} يعني: الصيحة الأولى.
{تَتْبَعُهَا الرادفة} يعني: الصيحة الثانية، يعني: النفخة الأولى للصعق، والنفخة الأخرى للبعث.
وروي عن يزيد بن ربيعة، عن الحسن في قوله: {يوم ترجف الراجفة تَتْبَعُهَا الرادفة} قال: هما النفختان، فأما الأولى: فيميت الأحياء، وأما الثانية: فتحيي الموتى.
ثم تلا {وَنُفِخَ في الصور فَصَعِقَ مَن في السموات وَمَن في الأرض إِلاَّ مَن شَاء الله} [الزمر: 68] ثم نفخ فيه أخرى، فإذا هم قيام ينظرون، وأصل الرجفة الحركة يعني: تزلزلت الأرض زلزلة شديدة عند النفخة الأولى، و{الرادفة} كل شيء تجيء بعد شيء، فهو يردفه.
ثم قال: {قُلُوبٌ يومئِذٍ وَاجِفَةٌ} يعني: خائفة خاشعة من هول ذلك اليوم.
ويقال: يعني: ذليلة.
ويقال: زائلة عن مكانها.
{أبصارها خاشعة} يعني: أبصار الخلائق ذليلة.
ويقال: أبصار القلوب خاشعة.
ثم ذكر قول الكفار، وإنكارهم البعث فقال: {يَقولونَ أَءنَّا لَمَرْدُودُونَ في الحافرة} تعجباً منهم، وفي الآية تقديم ومعناه: أئنا لمردودون في الحياة بعد الموت.
ويقال: {أئنا لمردودون في الحافرة}، أي: إلى أول أمرنا.
يقال: رجع فلان في حافرته، وعلى حافرته أي: رجع من حيث جاء.
ثم قال: {أَءذَا كُنَّا عظاما نخرة} يعني: بعد ما كنا عظاماً بالية.
قرأ حمزة، والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر {إذَا كُنَّا عظاما} بالألف، والباقون بغير ألف.
قال بعضهم: معناهما واحد هما لغتان.
وقال بعضهم: الناخرة التي أكلت أطرافها، وبقيت أوساطها، والنخرة التي قد فسدت كلها.
وقال مجاهد: {عظاماً نخرة}، أو مرفوتة كما قال في قوله: {كُنَّا عظاما ورفاتا} {قالواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسرة} يعني: إن كانوا كما يقولون، فنحن بخسران قوله تعالى: {فَإِنَّمَا هي زَجْرَةٌ واحدة} يعني: يبعثهم صيحة واحدة، وهو نفخ إسرافيل في الصور {فَإِذَا هُم بالساهرة} يعني: على وجه الأرض يعني: هم قيام على ظهر الأرض.
ويقال: سميت الأرض ساهرة، لقيام الخلق، وسهرهم عليها.
ثم وعظهم بما أصاب فرعون في النكال في الدنيا فقال: {هَلْ أَتَاكَ حديث موسى} يعني: قد أتاك خبر موسى {إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بالواد المقدس} يعني: بالوادي المطهر {طوى} اسم الوادي {اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى} يعني: علا وتكبر وكفر فقال الله تعالى: {فَقُلْ هَل لَّكَ إلى أَن تزكى} يعني: ألم يأن لك أن تسلم.
ويقال: معناه هل ترغب في توحيد ربك، وتشهد أن لا إله إلا الله، وتزكي نفسك من الكفر، والشرك.
قرأ ابن كثير، ونافع {إلى أن تزكى} بتشديد الزاء، لأن أصله تتزكى، وأدغمت التاء في الزاء، وشددت، والباقون بالتخفيف، لأنه حذف إحدى التائين، وتركت مخففة.
ثم قال: {وَأَهْدِيَكَ إلى رَبّكَ فتخشى} يعني: أدعوك إلى توحيد ربك فتخشى.
يعني: تخاف عذابه فتسلم {فَأَرَاهُ الاية الكبرى} يعني: العصا، واليد، وسائر الآيات.
{فَكَذَّبَ وعصى} يعني: كذب الآيات، ولم يقبل قول موسى عليه السلام {ثُمَّ أَدْبَرَ يسعى} يعني: أدبر عن التوحيد، وسعى في هلاك موسى {فَحَشَرَ} يعني: فجمع أهل المدينة {فنادى} يعني: فخاطب {فَقال} لهم اعبدوا أصنامكم التي كنتم تعبدون، فإن هؤلاء أربابكم الصغار.
{أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى فَأَخَذَهُ الله نكال الآخرة والأولى} يعني: فعاقبه بعقوبة الدنيا والآخرة، وهي الغرق وعقوبة الآخرة وهي النار.
ويقال: الآخرة والأولى.
يعني: العقوبة بالكلمة الأولى، والكلمة الأخرى، فأما الأولى قوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إله غَيْرِى} والأخرى قوله: {وَأَنَاْ رَبُّكُمْ الأعلى} وكان بين الكلمتين أربعون سنة.
ويقال: قوله: {وَأَنَاْ رَبُّكُمْ الأعلى} كان في الابتداء، حيث أمرهم بعبادة الأصنام، ثم نهاهم عن ذلك، وأمرهم بأن لا يعبدوا غيره.
وقال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إله غَيْرِى} ثم قال: {إِنَّ في ذَلِكَ} يعني: في هلاك فرعون وقومه {لَعِبْرَةً لّمَن يخشى} يعني: لعظة لمن يريد أن يعتبر، ويسلم.
ثم وعظ أهل مكة فقال: {أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السماء بناها} يعني: أبعثكم بعد الموت أشد، أم خلق السماء في المشاهدة عند الناس، خلق السماء أشد.
فالذي هو قادر على خلق السماء، قادر على البعث.
ثم قال: {بناها} يعني: خلق السماء مرتفعة {رَفَعَ سَمْكَهَا} أي: سقفها بغير عمد {فَسَوَّاهَا} يعني: سوى خلقها.
ويقال: خلقها مستوية، بلا صدع ولا شق {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا} يعني: أظلم ليلها {وَأَخْرَجَ ضحاها} يعني: أنوار ضحاها، وشمسها ونهارها، فإنها راجعة إلى السماء.
ثم قال عز وجل: {والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دحاها} يعني: بعد خلق الأرض السماء، وبسط الأرض ومدها {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا} يعني: من الأرض ماءها.
يعني: عيونها للناس {ومرعاها} للدواب والأنعام.
قال القتبي: هذا من جوامع الكلم، حيث ذكر شيئين على جميع ما يخرج من الأرض قوتاً، ومتاعاً للأنعام من العنب، والشجر، والحب، والتمر، والملح والنار، لأن النار من العيدان، والملح من الماء.
ثم قال عز وجل: {والجبال أرساها} يعني: أوتدها وأثبتها {متاعا لَّكُمْ} يعني: منفعة لكم {ولانعامكم فَإِذَا جَاءتِ الطامة الكبرى} يعني: الصيحة العظمى، وإنما سميت الطامة، لأنها طمت وعلت فوق كل شيء {يوم يَتَذَكَّرُ الإنسان مَا سعى} يعني: يعلم بكل شيء عمله في الدنيا.
ويقال: يوم ينظر الإنسان في كتابه، بما عمل في الخير والشر {وَبرزت الجحيم} يعني: أظهرت الجحيم {لِمَن يرى} يعني: لمن وجب له {فَأَمَّا مَن طغى} يعني: كفر وعلا وتكبر.
{وَءاثَرَ الحياة الدنيا} يعني: اختار ما في الدنيا علي الآخرة.
ويقال: اختار العمل للدنيا علي الآخرة {فَإِنَّ الجحيم هي المأوى} يعني: مأوى من كان هكذا.
{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ} يعني: خاف المقام بين يدي ربه {وَنَهَى النفس عَنِ الهوى} يعني: منع نفسه عن معاصي الله تعالى، وعمل بخلاف ما تهوى في الحرام {فَإِنَّ الجنة هي المأوى} يعني: مأوى من كان هكذا.
قال على بن أبي طالب، رضي الله عنه أخوف ما أخاف عليكم اثنان: طول الأمل، واتباع الهوى.
فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق.
قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الساعة} يعني: يسألونك عن قيام الساعة {أَيَّانَ مرساها} أي: وقت قيامها.
وأصله أي: أوان ظهورها ووقتها.
قال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} يعني: دع ما أنت وذاك دع ذلك إلى الله، ثم قال: {إلى رَبّكَ منتهاها} يعني: عند ربك علم قيامها.
وروى سفيان، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها.
قالت: لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم، يسأل عن الساعة، حتى نزل {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا إلى رَبّكَ منتهاها} يعني: عند ربك علم قيامها، وانتهى عند ذلك.
ثم قال عز وجل: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يخشاها} يعني: أنت مخوف بالقرآن، من يخاف قيام الساعة، وليس عليك أن تعرف متى وقتها.
ثم قال عز وجل: {كَأَنَّهُمْ يوم يَرَوْنَهَا} يعني: قيام الساعة {لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضحاها} يعني: كأنهم لبثوا في قبورهم مقدار عشية، وهو قدر آخر النهار، أو ضحاها وهو قدر أول النهار.
ويقال: كأنهم لم يلبثوا في الدنيا، إلا مقدار العشية، أو مقدار الضحى.
قرأ أبو عمرو في إحدى الروايتين {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ} بالتنوين، والباقون بغير تنوين.
فمن قرأ بالتنوين، جعل من في موضع النصب.
يعني: منذر الذي يخشاها.
ومن قرأ بغير تنوين، جعل من في موضع خفض.
بالإضافة.
والله الموفق بمنه وكرمه، وصلى الله على سيدنا محمد. اهـ.